تاريخ المدارس والمعاهد العلمية في العالم الإسلامي
المسجد هو الأساس الأول للمدرسة في حضارتنا ، فهو ليس مكان عبادة فحسب ، بل مدرسة يتعلم فيها المسلمون القراءة والكتابة وعلوم الشريعة واللغة وفروع العلوم المختلفة . ثم أقيم بجانب المسجد الكتاب ، وخصص لتعليم القراءة والكتابة والقرآن وشيء من علوم العربية والرياضيات . وكان الكتاب يشبه المدرسة الابتدائية في عصرنا الحاضر .
ثم قامت المدرسة بجانب الكتاب والمسجد ، وكانت الدراسة فيها تشبه الدراسة الثانوية والعالية الآن ، التعليم فيها بالمجان ، ولمختلف الطبقات ، فلا يدفع الطلاب في دراستهم الثانوية والعالية رسما ما من رسوم الدراسة ؛ ولم يكن التعليم فيها لفئة من أبناء الشعب دون فئة ، بل كانت فرصة التعليم متوفرة للجميع . يجلس فيها ابن الفقير بجانب ابن الغني ، وابن التاجر بجانب ابن الصانع والمزارع . والدراسة فيها قسمان : قسم داخلي للغرباء الذين لا تساعدهم أحوالهم أن يعيشوا على نفقات آبائهم ، وقسم خارجي لمن يريد أن يرجع في المساء إلى أهله .
أما القسم الداخلي فهو بالمجان أيضا ، يهيأ للطالب فيه الطعام والنوم والمطالعة والعبادة . وبذلك كانت كل مدرسة تحتوي على مسجد ، وفصول للدراسة وغرف لنوم الطلاب ومكتبة ومطبخ وحمام . وكانت بعض المدارس - فوق ذلك - تحتوي على ملاعب للرياضة البدنية في الهواء الطلق ، ولا تزال لدينا حتى الآن نماذج من هذه المدارس التي انتشرت في العالم الإسلامي كله ، مثل المدرسة النورية التي أنشأها نور الدين الشهيد في دمشق ، ومثل الجامع الأزهر الذي بناه جوهر الصقلي في القاهرة .
ولم يكن المدرسون في صدر الإسلام يأخذون أجرا على تعليمهم حتى إذا تقدمت الحضارة وبنيت المدارس جعل للمدرسين فيها رواتب شهرية ، كانت كافية ليعيشوا عيشة سعيدة . ولم يكن يجلس للتدريس إلا من شهد له الشيوخ بالكفاءة ، وكان للمدرسين ملابس خاصة بهم . وقد أخذ الغربيون عن مدرسي الأندلس زيهم ، فهو أصل الزي العلمي المعروف الآن في الجامعات الأوروبية .
لقد كانت المدارس تملأ مدن العالم الإسلامي ، ويذكر التاريخ بكثير من الإعجاب عددا من أمراء المسلمين الذين لهم الفضل الأول في إنشاء المدارس في مختلف البلاد . منهم صلاح الدين الأيوبي ونور الدين الشهيد . وقد كانت نظامية بغداد أولى المدارس النظامية وأهمها ، درس فيها مشاهير علماء المسلمين فيما بين القرن الخامس والتاسع الهجري ، وقد بلغ عدد طلابها ستة آلاف طالب ، يتعلمون بالمجان . كم كانت حضارتنا رائعة في تاريخ المعاهد العلمية ! وكم كان للإسلام من فضل في نشر العلم ، ورفع مستوى الثقافة العامة وتيسير سبلها لجميع أبناء الشعب !